كل الأسباب موجودة لتكون اللوحة متفرّدة
صدى النظر" هو عنوان المعرض الذي يقيمه الفنان جوزف فالوغي في "غاليري سورفاس ليبر"، جل الديب، ويستمر الى 6 كانون الاول 2008. 48 زيتية يرسمها الفنان بألوان خلاّقة، نظيفة ومخففة حتى الذوبان في الابيض احيانا، ومغمقة حتى السواد احياناً اخرى. يملك جوزف فالوغي قدرة كبيرة على فهم الالوان واكتناه أسرارها ومزجها وفلشها على القماشة بطريقة مجردة من الشكلانية، وهي تتجاهل كل علامة او اشارة من شأنها ان تفتح ابواب الاسرار لتكشف عن المشهد او المنظر. يستبدل الفنان ذلك بمساحات قصيرة ومتنوعة تشبه الجلول او التلال او القبب أو الغيوم التي تخترقها اقلام افقية متعرجة او مربعات تذكر بمكعبات خشبية كتلك التي يلعب بها الاطفال. يعرف جيدا كيف يجب العمل لخلق التناغم بين الكتل اللونية ويتقن فن التنقل من الغامق الى الفاتح. والعكس صحيح. الوقوف امام هذه الزيتيات يفرح للوهلة الاولى، كما للوهلة الثانية. الانتقال من لوحة الى لوحة يرضي العين التي تجد متعة في التمعّن بالتلازم اللوني في بعض اللوحات حتى يخال المتلقي انه امام مشاهد لطبيعة ضاعت دلالاتها التعريفية قصدا. فالفنان يشيّد المنظر الطبيعي من دون ان يفسره او يصفه بدقة. يركز كثيرا على صبغاته وتدرجاته ليعوض عن القصة او السردية في الموضوع الواحد.
لوحاته الشاعرية تتماشى مع السردية اللونية وهي تقدم الموضوع عبر عنوانه لأنه يحمل المعاني التي يراد من اللون ان يمثلها. ويقول الفنان ان عملية الرسم هي "فعل حب وفرح وشغف، تدفعني الى الغور في بحار من الالوان وتجرني الى السباحة في فضاء قريب من اللامحدود".
يتحدث ايضا عن الاختبارات الفنية التي تفسح في المجال امامه لبلوغ الابعاد المتوقعة ولا سيما في الاوقات التي تكون قد استلزمت صعوبات في التأليف والتكوين والتلوين. وعلى رغم كل هذه الاجتهادات، ربما يحتاج فالوغي الى أن يجتهد أكثر ليتجاوز المألوف من أجل أن يصل الى لغته الفنية الخاصة به، وأن يرسخ علاماتها ودلالاتها. صحيح ان ملوانته تستحق التوقف عندها لكنها لا تزال محتاجة الى أكثر، أي الى ما يخلق لوحة جديدة تريح المتلقي لانه يجد فيها مناخا او شكلا او موضوعا مختلفا عما الفته عيوننا وشاهدته لدى المعلمين وكتب الفن والفنانين الكبار من عندنا. نتمنى ان يجرؤ على تخطي التأثر الواعي او اللاواعي بالسابقين وان يخطو خطوات فردية تساند موهبته في اختبار اللون ومزجه وفلشه واستثماره في لوحة لها وقع الحداثة ونكهة الفرادة.
وهو يستطيع. ولا بدّ أن يجرؤ.