في شهر فبراير الماضي يكتمل مرور 444 عاما على وفاة الفنان الإيطالي الشهير مايكل انجلو أبرز فناني عصر النهضة الذي ولد في 6 مارس عام 1475 بقرية كابريزي في توسكانا وتوفي في 18 فبراير عام 1564 بروما . هو الثاني من خمسة أبناء كان دائما يطلق على نفسه (ابن فلورانسا) كما كان يطلق أبوه على نفسه مواطن فلورانسا أما أمه (فرانسيسكا نيري) فكانت مريضة جدا وضعيفة فلم ترضعه ثم توفيت في سن صغيرة عندما كان مايكل يبلغ من العمر 6 سنوات.
في بدايته عارضه أبوه لأن يكون فنانا وهذا لاعتباره أن الفنانين عمال فأرسله إلى مدرسة المعلم فرانسيسكو جاليوتا من أربيينو لكي يتعلم قواعد اللغة ولتعلم أساسيات اللاتينية.
جمع مايكل أنجلو في حياته بين أربعة من أهم الفنون تميز في كل منهم على حدة فهو رسام ناجح ومعماري بارع وشاعر حالم ولكن أبرزهم إبداعا وحبا إلى قلبه هو فن النحت. بدأ حياته الفنية منذ كان طفلا في الثالثة عشر من عمره عندما وافق أبوه قاضي بلدة كابريزي على أن يتدرب على الرسم الجداري عند دمينيكوغير اندا يو رسام الجص الذي تركه بعد قرابة عام لعدم توافقه معه. وبعد ذلك قضي بعض السنوات في حدائق سان ماركو ليقوم بدراسة تشريح الإنسان بعد حصوله على تصريح لدراسة الجثث وكان عمره وقتها 16 عاما ، وقد أنجز في هذا السن الصغير لوحتين من النحت البارز الأولى عمل صغير للسيدة مريم ( س) تجلس على حجر الكنيسة، أما العمل الثاني فكان عن أسطورة معركة اللابيذيز للكائنات الخرافية.
قال أنجلو في مذكراته (بالفعل في السادسة عشر من عمري عقلي كان أرض معركة، التناقض بين الموضوعات والتكوينات، وحد روحي، الشيء الممكن الآخر الذي احتفظته هذه الرغبات الملحة على حائط مرسمي لهذا اليوم). أقام أنجلو في منزل لورينزو دي ميدشي الشهير بلورينزو راعي الفنون في فلورنسا وحاكمها عام 1490 – 1492 حيث كان هذا المنزل يضم شعراء وفلاسفة وفنانين، مما أتاح الفرصة له للاحتكام بهم فتفجرت عنده موهبة جديدة وهي (الشعر). وكان يعتقد في ذلك الوقت أن الجسد هو مخزن الروح الذي تتوق العودة إلى بارئها، وقد فسر الكثير من النقاد أعماله على أساس هذا الفكر وخصوصا الذي يصور الإنسان وكأنه يسعى إلى أفق حر. يخلصه من السجن الذي يعيشه. ومن أهالأشياء التي أثرت بأنجلو أثناء إقامته في منزل لورنيزو هي التحف التي جمعها دي ميدتشي لإحياء الفني الإغريقي واليوناني حيث كانت مادة دراسة له يحدد بها المعايير والمقاييس الحقيقية للفن الأصيل كما أنه قام بتقليد بعض الأعمال الكلاسيكية الرومانية بإتقان شديد. درس مايكل أوضاع الجسد المختلفة وتحركاته ضمن البيئات المتنوعة. فجميع أعماله لم تخل من الشكل الإنساني وكان دوما ما يختار الأصعب ويحاول تنفيذه في تحد غريب، فأغلب موضوعاته التي عمل عليها كانت تسلتزم جهدا عضليا بالغا سواء في لوحاته الجصية أو لوحاته الأخرى أو تماثيله كما دمج أنجلو بين الطبقات المختلفة في أعماله التي ظهرت في شكل أسطوري سواء ديني أو موضوع آخر. بعد انهيار أوضاع عائلة دي ميدتشي بسبب الظروف السياسية عام 1494 رحل مايكل أنجلو إلى البندقية. بولونيا، ثم روما. وهناك قام بنحت منحوتة ضخة تفوق حجم الإنسان الطبيعي بهرت روما بأكملها وذلك في الفترة 1496 – 1498 وهي عن باخوص السكير اله الخمر. كان رجال الأعمال الأثرياء هم من يرعون وأيضا دور مكانته الاجتماعية القوية كأعضاء الكنيسة وزعمائها من ضمنهم البابا يوليوس الثاني، كلمنت السابع، وبولوس الثالث.
في فترة من حياته دمر اللوحات التي قام برسمها ، ولم يبق منها الا القليل منها لوحة دراسة لجذع الذكر التي أكملها أنجلو عام 1550 والتي بيعت في صالة مزادات كريستي بنحو 4 ملايين دولار.
من أورع أعماله تصوير قصة سفر التكوين في العهد القديم على سقف كنيسة سيستاين في الفاتيكان والتي أنجزها في ما بين عام 1508 و1512 ، وتمثال بيتتا العذراء، وكذلك لوحة يوم القيامة على منبر كنيسة سيستاين في روما كما يعد تمثال داوود من أفضل أعماله والذي يصور قصة ديفيد وجلوياث من العهد القديم فيقوم الشاب ديفيد بقذف صخرته تجاه العملاق جولياث ليقتله. كما نحت على قبر يوليوس الثاني منوحتته وضعت لاحقا في نهاية كاتدرائية القديس بطرس في روما. كما قام بعمل واجهة كنيسة القديس لورنيزو في فلورنسا الذي صورها في شكل بناء من طبقتين رخاميتين تدعمان ما يقارب من 40 منوحة وتمثال أيضا وبنى غرفة المقدسات 1519 - 1534 التي صممت لاستيعاب قبور القادة. وأضاف إلى أعمال الكنيسة مشروع المكتبة الأنيقة وذلك في عام 1524 – 1534. كما تم تكليف أنجلو بإكمال تصميمات كاتدرائية القديس بطرس الذي تم تكليف دوناتو بارمانتي سنة 1506 بعملها، وبعد أن توفي توالى عدد من المعماريين على بناء هذه الكاتدرائية وفي النهاية وصلت إلى مايكل أنجلو الذي قام بتعديل تصميمات برامانتي . بينما بدأ أنجلو العمل على تصميمات ساحة كمبيدوجليو البرلمان عام 1539 ولكنها أكملت فيما بعد على يد الآخرين.
كتابة سيرته
مايكل أنجلو الفنان الوحيد الذي تمت كتابة سيرته على يد مؤرخين، فالمؤرخ جورجو فزاري هو من قام بكتابة سيرته وهو على قيد الحياة ، حيث وصفه بأنه ضروة فناني عصر النهضة. ذكر عن مايكل أنجلو أنه يتعامل بطريقة متعجرفة مع الآخرين وكان غير راضي عن منجزاته الشخصية كما أنه اعتبر أن مصدر الفن أحاسيس داخلية متأثرة بالبيئة التي يعيش فيها الفنان، وأن لكل صخرة تمثالا مسكونا بداخله ووظيفته النحات هو اكتشاف التمثال في ثنايا الصخر ودوما ما كان يفضل النحت عن التصوير. هاجمه الرسام دومونيكوس ثيوتو كوبوس الشهير باسم (الجريكو) في إيطاليا عندما رسم أنجلو على جدار كنيسة السكستين أشخاصا عارية حيث تقدم إلى البابا واقترح عليه أن تهدم اللوحة تماما على أساس أن يقوم هو برسمها بدلا من مايكل بأشخاص غير عارية حتى لا تخش الحياء لكن الإيطاليون غضبوا كثيرا وطالبوا بطرد الجريكو بسبب تطاوله على فنان إيطاليا العملاق. تمنى مايكل أنجلو وقتما يموت أن يدفن في فلورنسا إلا أنه توفي في 18 فبراير 1564 في روما. عن عمر ناهز 89 عام. فاضطر أحد أولاد أشقائه بلف جثمانه بقماش ونقله ليلا في عربة ودفنه في كنيسة كروس بفلورنسا وذلك خوفا من ممانعة أهالي روما.
أنجلو والقيامة
تم استدعاء مايكل أنجلو للعمل في الكنيسة سيستايم سنة 1534 حيث كلف بمهمة زخرفة الحائط فوق المذبح (يوم القيامة 1536 – 1541) . فقام مايكل أنجلو بإنجاز رسومات تتحدث عن نبوءة عودة المسيح قبل نهاية العالم ضمن مشهد صوره وهو المسيح يقوم بتوجيه ضربة للشيطان بينما يده اليسرى وبرقة تطلب الرحمة والمغفرة له.
http://www.gulfup.com/up/pifiles/DHI88383.jpg
وبجانب السيد المسيح كانت مريم العذراء وهي تنظر إلى الحشود الغفيرة المنبثقة من القبور جميعهم من الكهنة والصالحين صاعدين نحو الجنة. صورهم مايكل أنجلو عراة وبكميات ضخمة ربما ليؤكد النبوءة التي تقول بأنهم سيعودون صحيحي الجسد والروح.
ضمن الزاوية السفلية اليمنى من الحائط كانت قد صورت جهنم بشكل مختلف، فلم يصور الشيطان أو العفاريت كما هو مألوف فمايكل أنجلو اقتبس بدلا من ذلك مقتطفات من القصة الأسطورية: الكوميديان الإلهية للكاتب الإيطالي المشهور دانني الييغيري، على كل وبعد أن قام مايكل أنجلو برفع الغطاء عن لوحته الجدارية هذه تعرض لموجة ضخمة من النقد بسبب الرسوم العارية خصوصا وأصبحت حديث كل لسان ولهذا السبب ربما أصبحت هذه اللوحة أحد أشهر أعمال مايكل أنجلو خلال القرن السادس عشر.
استغرق العمل 6 سنوات كاملة كانت اللوحة تعبيرا عن المجيء الثاني للمسيح ونهاية العالم. نظم الكاردنال كارافا حملة ضد أنجلو بسبب الصور العارية في تلك اللوحة الضخمة وعرف في الحملة بحملة ورقة التين. وتم اتهام أنجلو إهانة الكنيسة، وفي مفاجأة مذهلة قرر البابا إبقاء الصور كما هي وقال عبارته المشهور: محكمة الفاتيكان لا صلاحيات لها في منطقة الجحيم.